سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


يقول الحق جل جلاله: {يسألونك عن} قسمة {الأنفالِ} وهي الغنائم، سميت الغنيمة نفلاً لأنها عطية من الله تعالى، وزيادة فضل، كما يسمى ما يشترط الإمام للشجاع المقتحم خطراً، نفلاً؛ لأنه عطية له زيادة على سهمه، وكما سمى يعقوب عليه السلام نافلة؛ لأنه عطية زائدة على ولد إبراهيم عليه السلام، حيث كان حفيده، ثم أجابهم الحق تعالى فقال: {قل الأنفال لله والرسول} أي: أَمرها إلى الله ورسوله، يقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يأمره الله تعالى، وفي الوضع الذي يعينه له.
وسبب نزولها: اختلاف المسلمين في غنائم بدر كيف تقسم، هل في المهاجرين لفقرهم، أو في الأنصار لنصرهم، أو فيهما معاً. قال ابن جزي: وذلك أنهم كانوا يوم بدر ثلاث فرق: فرقة مع النبي صلى الله عليه وسلم في العريش تحرسه وتؤنسه، وفرقة اتبعوا المشركين فقتلوهم وأسروهم، وفرقة أحاطوا بأسلاب العدو وعسكرهم لما انهزموا، فلما انجلت الحرب واجتمع الناس، ورأت كل فرقة أنها بالغنيمة من غيرها، اختلفوا فيما بينهم. فنزلت الآية. اهـ.
وقيل: شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان له غناء أن ينفله، فتسارع شبابهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين، ثم طلبوا نفلهم، وكان المال قليلاً، فقال الشيخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات: كنا رداءاً لكم، وفئة تنحازون إلينا، فلا تختصوا بشيء دوننا، فنزلت، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء. ولهذا قيل: لا يلزم الإمام الوفاء بما وعد، وهذا قول الشافعي رضي الله عنه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتل أَخي عُمَيْرٌ، وقتلتُ سَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وأخذتُ سَيْفَهُ وأتيتُ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستوهبته منه، فقال: «لَيْسَ هَذَا لِي، ولكن ضَعهُ في القَبض». فَطَرحْتُهُ، وفي قلبي مَا لا يَعْلَمُهُ إِلا الله من قَتَلِ أَخِي وأَخْذِ سَلَبي، فَمَا جَاوَزْتُها إلا قليلاً حتى نزلت سُورَةُ الأَنْفَال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَأَلَتنِي السَّيف ولَيْس لِي، وإِنّهُ قد صَارَ لِي فاذْهَبْ فَخُذْهُ».
{فاتقوا الله} في المشاجرة والاختلاف، {وأَصلحوا ذات بينكم} أي أصلحوا الحال التي بينكم بالمواساة والمواددة وسلامة الصدور، ولمساعدة فيما رزقكم الله، وتسليم أمره إلى الله تعالى ورسوله، {وأطيعوا الله ورسوله} فيما يأمركم به {إن كنتم مؤمنين}؛ فإن الإيمان يقتضي الاستماع والاتباع، أو إن كنتم كاملي الإيمان؛ فإن كمال الإيمان يقتضي التمسك بهذه الخصال الثلاث: امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان.
ثم ذكر شروط كمال الإيمان، فقال: {إنما المؤمنون} الكاملون في الإيمان: {الذين إذا ذُكر الله وَجَلتْ قلوبُهم}؛ خافت واقشعرت لذكره؛ استعظاماً له وهيبة من جلاله، وقيل: هو الرجل يهم بالمعصية فقال له اتق الله، فينزع عنها خوفاً من عقابه، {وإِذا تُلِيت عليهم آياته} القرآنية {زادتهم إيماناً} أي: يقيناً وطمأنينة بتظاهر الأدلة التي اشتملت عليها، أو بالعمل بموجبها.
وهو دليل على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، بناء على أن العمل داخل فيه، والتحقيق: أن العمل خارج عنه، لكن نوره يتقوى به وينقص بنقصانه أو بالمعصية وسيأتي في الإشارة الكلام عليه.
ومن أوصاف أهل الإيمان: التوكل على الله والاعتماد عليه، كما قال: {وعلى ربهم يتوكلون} وقد تقدم في آل عمران الكلام على التوكل، ثم وصفهم بإقامة الدين فقال: {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} في الواجب والتطوع. {أولئك هم المؤمنون حقاً}؛ لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلب، من الخشية والإخلاص والتوكل، ومحاسن أعمال الجوارح التي هي العِيار عليها، كالصلاة والصدقة، {لهم درجات عند ربهم} أي كرامات وعلو منزلة، أو درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم، {ومغفرة} لما فرط من ذنوبهم، {ورزقٌ كريم} أعده لهم في الجنة، لا ينقطع مدده، ولا ينتهي أمده، بمحض الفضل والكرم.
الإشارة: الانفال الحقيقة هي المواهب التي ترد على القلوب، من حضرة الغيوب؛ من العلوم اللدنية والأسرار الربانية، لا تزال تتوالى على القلوب، حتى تغيب عما سوى المحبوب، فيستغني غناء لا فقر معه أبداً، وهذه غنائم خصوص الخصوص، وغنائم الخصوص: هي القرب من الحبيب، ومراقبة الرقيب، بكمال الطاعة والجد والاجتهاد، وهذه غنائم العباد والزهاد، وغنائم عوام أهل اليمين: مغفرة الذنوب، والستر على العيوب، والنجاة من النار، ومرافقة الأبرار، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ قَالَ عِندَ نَوْمِهِ: أسْتَغْفِر اللِّه َالعَظِيمَ الذي لا إله إلاّ هُوَ الحَيُّ القَيّومَ وَأَتُوبُ إِليْهِ، غَفَرَ الله ذُنُوبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَد البَحَرِ، وعَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا».
قال الشيخ زروق: وهذه هي الغنيمة الباردة، وهذه الأمور بيد الله وبواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله {قل الأنفال لله والرسول} ثم دل على موجباتها فقال: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم...} الآية، وقوله تعالى: {زادتهم إيماناً}: اعْلم أن الإيمان على ثلاثة أقسام: إيمان لا يزيد ولا ينقص وهو إيمان الملائكة، وإيمان يزيد وينقص، وهو إيمان عامة المسلمين، وإيمان يزيد ولا ينقص وهو إيمان الأنبياء والرسل، ومن كان على قدمهم من العارفين الروحانيين الراسخين في علم اليقين، ومن تعلق بهم من المريدين السائرين، بالطاعة والمعصية؛ لتيقظهم وكمال توحيدهم، وفي الحكم: (وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول) وقال أيضاً: «معصية أورثت ذلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً» والله تعالى أعلم.


قلت: {كما أخرجك} خبر عن مبتدأ محذوف، أي: هذه الحال، وهي عزلهم عن تولية الأَنفال في كراهتهم لها، كحال إخراجك في الحرب في كراهتهم لها، أو حالهم في كراهية ما رأيت من تنفيلك للغزاة، مثل حالهم في كراهية خروجك، أو صفة لمصدر الفعل المقدر في قوله: {لله والرسول} أي: الأنفال تثبت لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، مع كراهتهم، ثباتاً مثل ثبات إخراجك ربُّك من بيتك، يعني المدينة؛ لأنها مسكنه أو بيته منها، وجملة: {وإن فريقاً} حال مِن أخرجك، أي: أخرجك في حال كراهية فريق من المؤمنين.
يقول الحق جل جلاله لنبيه صلى الله عليه وسلم: قد كره أصحابُك قسمتك للأنفال كما كرهوا إخراجك {ربُّك من بيتك بالحق} لقتال العدو، والحال أن {فريقاً من المؤمنين لكارهون} خروجك لذلك، وتلك الكراهية من قِبل النفس وطبع البشرية، لا من قِبل الإنكار في قلوبهم لأمر الله ورسوله، فإنهم راضون مستسلمون، غير أن الطبع ينزع لِحَظَّه، والعبد مأمور بمخالفته وجهاده.
وذلك الفريق الذي كره خروجك للقتال {يُجادلونك في الحق} أي: يخاصمونك في إيثارك الجهاد لإظهار الحق، حيث أرادوا الرجوع للمدينة، وقالوا: إنا لم نخرج لقتال، قالوا ذلك {بعد ما تَبَيّن} لهم أنهم منصرون أينما توجهوا، بإعلام الرسول لهم، لكن الطبع البشري ينزع إلى مواطن السلامة {كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي: يكرهون القتال كراهة من يُساق إلى الموت، وهو يشاهد أسبابه، وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم، إذ رُوي أنهم كانوا رجّالة، وما كان فيهم إلا فارسان، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج لقصد الجهاد، وإنما لملاقاة عير قُرَيْش، لمّا سمع أنها قدمت من الشّام، وفيها تجارةٌ عَظيِمةٌ، ومعها أربعُون رَاكباً، فيهم أَبُو سُفْيان، وعمرو بنُ العاص، ومخرفة بن نوفل، وعمروبن هِشَام، فأراد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يتعرض لها ويأخذها غنيمة، حيث أخبره جبريلُ بقدومها من الشام، فأخبرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فأعْجَبَهُم تلقيها، لكثرةِ المال وقلةِ الرجالِ، فلما خرجُوا، بَلَغ الخبرُ أبا سفيان، فسلك بالعير طريق السَاحِل، واستأجر من يذهب إلى مكة يستنفرها، فلما بلغهم خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيرهم، نادى أبو جهل فوق الكعبة: يا أهل مكة، النَّجَاء، النجاء على كل صَعْبٍ وذَلُولٍ، عِيرُكُمْ وأَمْوالكم إن أصَابَهَا مُحَمَّدٌ لن تُفْلِحُوا بعدها أبداً.
وقد رأت، قبل ذلك بثلاث ليال، عاتكةُ بنت المطلب، رؤيا؛ وهو أن رجلاً تمثل على جبل قبيس فنادى: يا آل لكع، اخرجوا إلى مصارعكم، ثم تمثل على الكعبة، فنادى مثل ذلك، ثم أخذ حجراً فضرب به، فلم يبق بيت في مكة إلا دخلة شيء من ذلك الحجر، فحدثت بها العباس، وبلغ ذلك أبا جهل، فقال: أما ترضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم؟ لنتربص ثلاثاً، فإن لم يظهر ما تقول لنكتبن عليكم يا بني هاشم أنكم أكذب بيت في العرب، فلما مضت ثلاث ليال جاء رسولُ أبي سفيان ليستنفرهم.
فخرج أبو جهل بجموع أهل مكة، ومضى بهم إلى بدر، وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يوماً في السنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي ذَفِران، فنزل عليه جبريل بالوعد بإحدى الطائفتين: إما العيرُ وإما قُرَيْش، فاستشار فيه أصحابه، فقال بعضهم: ما خرجنا لقتال ولا تهيأنا له، وردد عليهم وقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا: يا رسول الله، عَلَيكَ بالعيرِ ودَع العَدو، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر وعُمَرُ فأحْسَنَا، ثم قام سَعْدُ بن عُبادة فقال: انظرُ في أمْرِكَ، وامْضِ، فواللَّهِ لَو سِرْتَ إلى عَدَنٍ ما تَخَلَفَ رجلٌ مِنْ الأنْصارِ، ثم قام المقِدَادُ بنُ عَمْرٍو فقال: امْضِ يا رسول الله لما أمرك ربك، فإنا معك حيثما أحببتَ، لا نقولُ كما قالت بنو إسرائيل: {فَاذهَب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَتِلاَ إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتِلاَ إنا معكُما مقاتلونَ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أشيروا عَلَيَّ أيّها الناسُ»، يريدُ الأنصار؛ لأنهم كانوا عددهم، وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أنهم بُرءاء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم، فتخوف ألاّ يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة، فقام سَعْدُ بنُ معَاٍذ وقال: لَكأنَّكَ تُرِيدُنَا يا رسولِ الله؟ فقال: أجَلْ، فقال: قد آمنّا بِك وصَدَّقْنَاكَ، وشهدنا أن ما جئْتَ بِهِ هو الحقُّ فأعطَيْنَاكَ على ذلِك عُهُودَنَا ومَوَاثِيقَنَا على السَّمْعِ والطَّاعّةِ، فامْضِ يا رَسُولَ اللهِ لما أرْدتَ، فوالذي بَعَثَكَ بالْحق لو اسْتَعْرَضت بنا هذا البَحْرَ فخُضته لخضْنَاهُ مَعَكَ، ما تَخَلَّفَ مِنّا رَجُلٌ واحِدٌ، وما نَكرَهُ أن تَلقِي بِنَا عَدُوِّنَا، وإنا لَصُبُرٌ عِندَ الحَربِ، صُدُقٌ عندَ الِّلقَاءِ، ولعَلَّ اللَّهَ يُريكَ منا ما تقرُّ بِه عينُكَ، فَسِرْ بنا على بَركَةِ اللهِ، فنشطه قوله، ثم قال: «سِيرُواعَلَى بَركَةِ الله، وأبْشِرُوا؛ فِإنَّ الله قد وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائفَتَينِ، واللهِ لكأنّي أنْظرُ إلى مَصارع القَوْم».
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأصحابه آخر مياه من مياه بدر، فَبُني له هناك عريش، فجلس فيه هو وأبو بكر، فلما انتشب القتال أخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه، فلم تبق عين من الكفار إلا وقع فيها شيء منها، ونزلت الملائكة في العنان، أي: السماء، فقتل منهم سبعون، وأُسر سبعون، وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من غزوة بدر، قيل له: عليك بالعير، فقال العباس وقد أعطاك ما وعدك، فكره بعضهم قوله، ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة منصوراً فرحاً مسروراً، وقد أنجزه الله ما وعده.
الإشارة: من حكمته تعالى الجارية في عبادة أن كل ما يثقل على النفوس ويشق عليها في بدايته تكون عاقبته الفتح والنصر، والهناء والسرور، فكل ما تكرهه النفوس فغايته حضرة القدوس، وما تحقق سير السائرين إلا بمحاربة نفوسهم ومخالفة عوائدهم. وفي الحديث عنه صلىلله عليه وسلم، قال لابن عباس في حديث طويل: «وَفِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْر كَثِير» والله تعالى أعلم.


قلت: {وإذ}: ظرف لاذكر، محذوفة، و{أنها لكم}: بدل اشتمال من {إحدى الطائفتين}؛ والشوكة: الحدة، مستعارة من واحد الشوك، وسميت الحرب شوكة لحدة سلاحها.
يقول الحق جل جلاله: {و} اذكروا {إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}؛ قريشاً أو عِيرهَم، وعدكم {أنها لكم وتَودون}؛ وتتمنون {أنَّ غير ذات الشوكة} أي: ذات الحرب {تكونُ لكم} وهي العير، فإنها لم يكن فيها إلا أربعون رجلاً، وتكرهون ملاقاة النفير لكثرة عَدَدِهِمِْ وعُددهم، {ويريد الله أن يُحق الحق} أي: يظهر الحق، وهو الإسلام، بقتل الكفار وهلاكهم في تلك الغزوة، {بكلماته} أي: بإظهار كلماته العليا، أو بكلماته التي أوحى بها في هذه الحال، أو بأوامره للملائكة بالأمداد، أو بنفود كلماته الصادقة بهلاكهم، {ويقطع دابر الكافرين} أي: يستأصلهم ويقطع شوكتهم.
ومعنى الآية: أنكم تُريدون أن تُصيبوا مالاً ولا تلقوا مكروهاً، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق، وما يحصل لكم من فوز الدارين، وإنما فعل ما فعل من سوقكم إلى القتال؛ {ليُحق الحق ويُبطل الباطل} أي: ليُظهر الدين ويبطل الكفر.
قال البيضاوي: وليس بتكرار؛ لأن الأول لبيان المراد، وما بينه وبين مرادهم من التفاوت، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول صلى الله عليه وسلم على اختيار ذات الشوكة وقصره عليها. اهـ. وقال ابن جزي: ليس تكرار للأول؛ لأن الأول مفعول يريد، هذا تعليل لفعل الله تعالى، ويحتمل أن يريد بالحق الأول الوعد بالنصرة، وبالحق الثاني الإسلام، فيكون المعنى: أنه نصرهم ليظهر الإسلام، ويؤيد هذا قوله: {ويُبطل الباطل} أي: يُبطل الكفر، {ولو كره المجرمون} ذلك، فإن الله لا بد أن يظهر دينه على الدين كله، ولو كره الكافرون.
الإشارة: وعد الله المتوجهين إليه بالوصول إلى سر الخصوصية، وهي الولاية، لكن بعد المجاهدة والمحاربة للنفوس؛ لأن الحضرة لا يدخلها إلا أهل التهذيب والتدريب، وترى كثيراً من الناس يتمنون أن تكون لهم من غير حرب ولا قتال، ويريد الله أن يحق الحق بكشف الحجب عن القلوب، حتى لا يشاهدوا إلا الحق، ويُبطل الباطل، وهو السَّوي، ولا يكون في العادة إلا بعد موت النفوس وتهذيبها وتطهيرها بالرياضة على شيخ عارف. قال الششتري مترجماً عن لسان الحقيقة:
أن تُرِدْ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ *** لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8